الثلاثاء، 8 مارس 2011

وزير الدفاع السابق رضا قريرة يكشف لـ صحيفة «الشروق» خفايا و أسرار يوم 14 جانفي : خطة السرياطي و فرار بن علي


على امتداد أكثر من شهرين، تتالت الروايات والتأويلات لما جدّ من أحداث مثيرة أيام الثورة (قبل وبعد 14 جانفي) خاصة في ما يتعلق بالدور الذي لعبه الجيش الوطني آنذاك، وايضا بدور الامن الرئاسي ومديره علي السرياطي.. اضافة الى ملابسات يوم هروب بن علي وملابسات تسلّم الغنوشي ومن بعده المبزع الحكم، فضلا عن الكلام الكثير الذي قيل حول الجنرال رشيد عمار.
حقائق عديدة مازال التونسيون ينتظرون على أحر من الجمر الكشف عنها في ظل اختيار الحكومة المؤقتة الصّمت وفي ظل تواصل التحقيقات القضائية حول ما جدّ من أحداث.. وهو ما فسح المجال واسعا أمام الاشاعات والتأويلات.
... في خضم كل هذا، اختارت «الشروق» الكشف عن بعض الحقائق المخفية من خلال لقاء حصري مع السيد رضا قريرة الذي كان أيام اندلاع الثورة والى حد يوم 27 جانفي الماضي وزيرا للدفاع الوطني.
الاتصالات بـ«سي رضا» انطلقت في الحقيقة منذ مدة، لكنه فضّل انتظار مرور بضعة أشهر للحديث الى وسائل الاعلام، في انتظار ان يأخذ القضاء مجراه الطبيعي في التحقيق في ما جدّ من أحداث... غير أنه أمام تكاثر الروايات والإشاعات التي قد تشوّه تاريخ الثورة وتزيد في ادخال الشكوك والبلبلة لدى الرأي العام، قبِل وزير الدفاع السابق في عهد بن علي بإزاحة الغموض حول ملابسات تلك الفترة الصعبة في حدود ما بلغ الى علمه من معلومات وفي حدود ما تسمح به حرية التصريحات الصحفية بالنسبة الى مسؤول حكومي سابق وأيضا دون التدخل في عمل القضاء في هذا المجال.
الجيش يتدخل
عاد بنا السيد رضا ڤريرة في بداية حديثه الى الليلة الفاصلة بين الخميس 6 والجمعة 7 جانفي.. كانت الثورة المباركة آنذاك في أوجها خاصة بالمناطق الداخلية للبلاد، وكان كل شيء يوحي باهتزاز عرش بن علي.. في تلك الاثناء «قرر الرئيس السابق ضرورة مساهمة الجيش في حفظ الأمن بالمناطق الداخلية وهي مهمة أوكلها القانون للمؤسسة العسكرية» يقول رضا ڤريرة، وهو ما تم فعلا...ويوم الاحد 9 جانفي، قرر بن علي تعميم نشر الجيوش بكامل تراب البلاد... «اتصل بي الرئيس السابق على الهاتف صباح الاحد وأعلمني بقراره هذا ودعاني الى التوجه مباشرة الى مقر وزارة الداخلية لحضور اجتماع تنسيقي في الغرض مع وزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم» يضيف المتحدث.
السرياطي «يحكم بأحكامه»
توجه وزير الدفاع السابق الى وزارة الداخلية رفقة ضبّاط سامين من الجيش الوطني واجتمعوا مع وزير الداخلية واطارات عليا ومسؤولين بالامن الوطني والحرس الوطني، وكان من بين الحضور مدير الامن الرئاسي سابقا علي السرياطي.. ويقول محدثنا في هذا المجال «اكتشفت بكل استغراب وذهول وحسرة ان السرياطي هو الذي كان خلال ذلك الاجتماع الهام والطارئ، يتولى مهمة التنسيق الرسمي لعمليات حفظ الامن بين الداخلية والدفاع.. فالامر يتجاوز صلاحياته وتساءلت في قرارة نفسي كيف يمكن للمؤسسة العسكرية ان تتلقى أوامر من مدير الامن الرئاسي، وهو ما لم يحصل أبدا في تاريخ وزارة الدفاع... فالتعليمات لا يمكن ان يتلقاها الجيش الا مباشرة من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة او من وزير الدفاع».
...ويقترح أموالا!
لم يتوقّف ذهول رضا ڤريرة في الاجتماع عند ذلك الحد إذ يضيف قائلا: «سمعت السرياطي في الاجتماع يتحدث عن إسناد أموال لبعض الأطراف... وفي الحقيقة لم أتبيّن من المقصود بتلك الأموال هل هم مواطنون أم أعوان أمن أم أعوان الأمن الرئاسي أم أطراف أخرى... وعبّرت علنا في الاجتماع عن رفضي لهذه الطريقة في العمل في سبيل حفظ الأمن، وهذا بشهادة كل من حضر ذلك الاجتماع».
...ويأمر ضباط الجيش
مباشرة بعد الخروج من الاجتماع، نبّه وزير الدفاع الضباط العسكريين بضرورة عدم تلقي أية أوامر من السرياطي، وهو ما حصل فعلا... فقد كان السرياطي يتصل بهم في تلك الأيام أكثر من مرّة، لكن كل أوامره كانت تُنقل إلى وزير الدفاع ليقرّر في شأنها ما يراه بعد الاتصال برئيس الجمهورية لأخذ رأيه فيها، وهذا هو المعمول به حسب القانون.
ويؤكد رضا ڤريرة أن عملية حفظ الأمن بصفة مشتركة بين قوات الأمن والجيش الوطني انطلقت بصفة فعلية صباح الاثنين 10 جانفي، وبذل مسؤولو الأمن وضباط الجيش مجهودات كبرى في هذا المجال وهي مجهودات متواصلة إلى اليوم.
رشيد عمّار... والتدخل الأجنبي
تواصل التنسيق الدقيق بين الأمن الوطني والجيش في حفظ الأمن على امتداد تلك الأيام العصيبة... كانت الثورة الشعبية تتصاعد شيئا فشيئا في أغلب أنحاء البلاد، وفي الأثناء، يقول «سي رضا» سَرت تلك الإشاعة «الثقيلة» في الـ«فايس بوك» التي تقول إن الرئيس المخلوع أمر الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين لكن الجنرال عمار رفض ذلك وهو ما أدّى حسب الإشاعة المذكورة إلى عزله عن العمل وإيقافه ووضعه تحت الإقامة الجبرية... وهناك من ذهب حد القول أنه أُعدم...
«كل ما قيل في هذا المجال لا أساس له من الصحة... حيث أن الجنرال عمار كان انذاك يباشر عمله بشكل طبيعي وعادي.
ومن جهة أخرى برزت في تلك الأثناء (وحتى بعد 14 جانفي) رواية تفيد بوجود اتصالات كبرى بين وزارة الدفاع الوطني ممثلة في الوزير وفي الجنرال عمار من جهة وبين أطراف أجنبية للنظر في مسألة تولي الجيش الحكم في البلاد.
وفي هذا المجال يقول رضا ڤريرة «أقول للتاريخ إنه لم يحصل بيننا وبين أي طرف أجنبي، سواء من الخارج أو عبر السفارات الأجنبية ببلادنا أي اتصال أو حديث خلال تلك الفترة... ولا أدري إلى الآن من هو الطرف الذي يقف وراء مثل هذه الإشاعات».
السرياطي يحذّر من فراغ «رئاسي»!
مرّت الأمور على ذلك النحو من الحفظ المشترك للأمن بين الجيش والداخلية أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس (من 10 إلى 13 جانفي).. ومساء الخميس وعندما كان الجميع ينتظرون الخطاب الأخير للرئيس المخلوع، اتصل علي السرياطي هاتفيا بوزير الدفاع، ليطلب منه «تحرك الجيش بأكثر فاعلية لأننا قد لا نجد أي رئيس للبلاد غدا في قصر قرطاج» (والكلام للسرياطي).
ويعترف محدثنا رضا ڤريرة أن كلام السرياطي شغله كثيرا وأثار فيه عدة نقاط استغراب وتساؤلات... ولم يأخذ ـ على حد قوله ـ كلامه مأخذ الجد لأن تدخل الجيش كان انذاك في المستوى حسب الإمكانات المتوفرة ولا يمكن أن نطلب منه أكثر ولا يمكن أن نطلب منه «مزيد الفاعلية» لأن ذلك قد يعني إراقة الدماء، وهو ما لم يكن في حسابات القوات العسكرية أبدا.
الأمن يسلّم السلاح للجيش...
في حدود الساعة الثامنة من ليلة 13 جانفي علم وزير الدفاع عن طريق أحد الضباط العسكريين أن بعض أعوان الشرطة والحرس بصدد تسليم أسلحتهم للثكنات العسكرية... ويقول السيد رضا ڤريرة في هذا المجال «استغربت الأمر ودعوته لعدم قبول أي سلاح تفاديا لإمكانية الوقوع في مؤامرة قد يقع فيها اتهام الجيش من الغد بأنه افتك السلاح من أعوان الأمن...
وأعلمت الوزير الأول الغنوشي بالأمر فدعاني إلى إعلام وزير الداخلية أحمد فريعة وهو ما تم فعلا لكني لم أرتح لذلك.. ومن الغد في حدود السابعة والنصف صباحا (من يوم 14 جانفي) اتصلت بالرئيس المخلوع وأعلمته بمسألة تسليم السلاح وبتخوفي منها ومن إمكانية حصول مؤامرة فحاول تهدئتي وقال لي لا تهوّل الأمور إن أعوان الأمن فعلا خائفون من إمكانية افتكاك سلاحهم من المواطنين وأنه لا بد من حفظ ذلك السلاح حتى لا يُلقى به في الشارع ويحصل عليه المواطنون وتصبح المسألة خطيرة...
وواصلنا قبول السلاح من أعوان الأمن في الثكنات».
ويعترف السيد رضا ڤريرة أن كلام بن علي انذاك لم يكن يوحي بأن أمرا غير عادي يحدث صباح ذلك اليوم (14 جانفي) إلى حين حلول منتصف النهار...
هليكوبتر فوق قصر قرطاج!
في حدود منتصف نهار 14 جانفي، يقول وزير الدفاع السابق اتصل بي بن علي هاتفيا وكان شبه مرتبك ليسألني عن سر طائرة الهليكوبتر التي ستأتي إلى قصر قرطاج وتقتل من فيه بالقنابل!
ويقودها أعوان أمن ملثمين! استغربت من الأمر وأعلمت (وهذا يعلمه هو جيدا بحكم معرفته العسكرية والأمنية) أن طائرات الهليكوبتر العسكرية في تونس لا توجد إلا تحت تصرف الجيش، وأن الجهاز الأمني ليست له طائرات وحتى عندما يطلب استعمال الطائرات العسكرية لبعض المهمات فإن ذلك لا يكون إلا بإذن كتابي من وزير الدفاع، وهو ما لم يحصل في ذلك اليوم... وراجعت قيادة جيش الطيران للتثبت واتضح أن ذلك غير صحيح، وأعدت الاتصال مجددا بـبن علي لأنفي له هذه الرواية ولأسأله إن كان فقد الثقة في الجهاز العسكري... عندئذ أجابني بأن ثقته في الجيش لم تتغيّر وقال لي بالحرف الواحد «شبيه السرياطي يخلوض مَالاَ» في إشارة إلى أن السرياطي قد يكون هو من أعلمه بحكاية هذه الطائرة... وبعد ذلك بحوالي ربع ساعة اتصل بي مجددا وطلب مني إرسال الجنرال عمّار إلى مقر وزارة الداخلية ليتولى هو مهمة التنسيق الأمني بين الداخلية والدفاع في حفظ الأمن، وهو ما تم فعلا في ذلك اليوم وهي المهمة التي يضطلع بها إلى اليوم».
هروب بن علي ومكالمة غريبة
عشية 14 جانفي، كانت المظاهرة الحاشدة والتاريخية التي شهدها شارع بورقيبة بالعاصمة في أشد ذروتها خاصة أمام وزارة الداخلية... في تلك الأثناء، وتنفيذا لأمر الرئيس المخلوع توجه الجنرال عمار إلى مقر الداخلية مرفوقا بضباط عسكريين مسلحين لمباشرة مهمة التنسيق الأمني بين الجيش والشرطة والحرس في حفظ الأمن.
وبالتوازي مع ذلك، كانت تدور أشياء أخرى بقصر قرطاج، اعترف محدثنا رضا ڤريرة بأنه يجهل تفاصيلها.. حيث لم يعاود الرئيس المخلوع الاتصال به مجددا...
وفي حدود الساعة الخامسة والنصف مساء اتصلت به قيادة جيش الطيران لتعلمه أن بن علي غادر البلاد من المطار العسكري بالعوينة على متن الطائرة الرئاسية منذ حوالي دقيقة...